الخميس، 4 يونيو 2020

فاضل البراك ولجنة الإنسحاب من الكويت دكتور كاظم هاشم نعمه - الحلقه الاخيره


فاضل البراك في تركيا


الحلقة الأخيرة من يومياتي.... أنا والرئاسة
زيادة في التوضيح
لقد أتى الدكتور مازن الرمضاني على تقديم توضيح إلى النص الذي نشر في الحلقات الخمس عن يومياتي في الرئاسة. وكنت احسب أنه سوف يُصّوب ما جاء في النص أو يرفده بما لديه من معلومات غير التي أتيت عليها.
اولأ-أشار في توضيحه إلى ان ذكر أسمه لم يرد، لكنه قد جاء ذكره في النص بعدما توسع عدد اللجنة من اربعة إلى سبعة.
ثانياً- والملاحظة الثانية مسألة ليست بذات أهمية كونها تدلنا إلى الذي كتب المقترح. حسب علمي وما كتبه الاستاذ عبد الملك ياسين في كتابه( حتى لا تضيع الحقيقة) وتيقنت منه بالهاتف انه بخط يده وهي وثيقة تأريخية بحق.
ثالثاً- إن اللجنة لم تعلم حالها حال غيرها بإقدام العراق على استخدام القوة العسكرية قط. لايصح استراتيجيا ان يفشي الرئيس صدام حسين عن عزمه على استخدام القوة العسكرية وليستأنس برأي اللجنة أمر محال في محال في محال. ما اشار اليه دكتور مازن في توضيحه بقوله ( كما إن عدد الذين اقترحوا عدم استخدام القوة العسكرية ضد دولة الكويت كانوا فقط اربعة من مجمل اعضاء اللجنة) يوحي إن اللجنة كانت على علم. هذه معلومة غير صحيحة قط لذا أرجو التوكيد عليها.
فهناك الجالية العراقية "بدون" والتي من الممكن تجنيد بعض منها في قوات الجيش الأمن، وقيام مصالح اقتصادية من شركات وعمالة عراقية عوضا عن الاجانب، كما هناك الجالية الفلسطينية التي أيدت دخول العراق الى الكويت. ففي وسع العراق أن يعيد حكم آل الصباح ويجري التفاهم على صيغة من الرباط السياسي غير المؤسسي عوضا عن الوحدة او الفيدرالية او غيرها.
وجادلت بان السعودية قد تحبذ هذا الخيار فمع أن ليس من مصلحتها أن يكون العراق قويا ومتحديا لدورها، فإنها تخشى من عواقب وهن العراق مما يجعلها تواجه إيران على إنفراد. وبما أن امريكا ، كما قالت السفيرة، لا تضغط على الحلول العربية في حل الخلافات العربية فإنها سوف لن تعترض على تفاهم عراقي كويتي له ابعاده الامنية في مواجهة التحديات الإيرانية في المستقبل. إن أمريكا تريد عراقا يصد إيران أو يتوازن معها. وإنها لا تريد الاعتماد على السعودية وحسب في أمن الخليج العربي فتبتزها السعودية.
فاضل البراك

إن امريكا قد امهلت العراق الفرصة لتدبير وجوده في الكويت ولم تهب مباشرة لإخراجه من الكويت. ولا يصح القول إن امريكا كانت تنتظر اختمار بيئة إقليمية ودولية لخلق شرعية لعملها العسكري لعجز في القدرات العسكرية. لقد امتنعت امريكا من اخراج العرق بما لديها من قوات في الخليج العربي وفي تركيا ان تطرد العراق. لقد اعطت واشنطن فرصة كادت ان تكون طويلة لتعمل الدبلوماسية العربية والدولية على اقناع العراق بالانسحاب. إن امريكا لم يكن ثمة ما يمنعها أن تقدم على عمل من طرف واحد ويركب معها في الزورق مجاناً كل من يشاء وكانوا كثيرين من عرب وغير عرب.
إن الشكوك في التعهدات الفرنسية والسوفيتية لا تشفع لها حججها. إن في وسع العراق أن يطالب بأن يكون الانسحاب تحت خيمة دولية وليس أحاديا من جانب العراق، او بوصاية من الامم المتحدة ويشترك فيها دول من حركة عدم الانحياز والدول العربية.
إن الخطر المتمثل في إيران على المصالح الأمريكية والغربية يحث أمريكا على أن تؤمن عراقا قوياً بعد الانسحاب. إن امام أمريكا ثلاثة خيارات.اولاً، أن تترك الخليج العربي لإيران بعد الحرب. ثانيا، دعم عراق قوي يتعاون مع السعودية في مثلث امريكي- عراقي – سعودي. ثالثا، أن تتولى أمن الخليج العربي بنفسها فتصبح في مواجهة إيران وجها لوجه. إن الحل الثاني هو الارجح لتامين الأمن والاستقرار في المنطقة والازهد كلفة. إن فيه مزايا ايجابية لخدمة مصالح امريكا. فمن الناحية الاولى سوف لن يكون امام إيران وهي تواجه المثلث فرص في المستقبل المنظور لتتمرد من جديد وتحيي دولة الثورة وتصديرها، بل سوف تسعى لتتعايش مع دول الخليج العربي كدولة. ومن الناحية الثانية، إن دول الخليج العربي لن تستطيع أن تستغني عن العراق ،وبالتالي فمن مصلحتها أن تحتويه وليس عزله ونبذه. ومن الناحية الثالثة، سوف يكون العراق والسعودية تحت جناحي الولايات المتحدة وعندها لا تحديات لسياستها في المنطقة.
إن الانسحاب لا يعني نفض اليد من تلك الحجج والاسباب التي ساقها العراق ضد الكويت. إن بيد العراق روافع للضغط على امريكا والسعودية لتتعاطف مع المطالب العراقية شرط أن تكون عادلة ومقبولة . لا يوجد في الحروب والانسحاب استسلام غير مشروط قط. لقد رفع تشرشل هذا النداء في العرب العالمية الثانية، وعندما جلس الخصماء عند الطاولة كان ذلك بشروط.
فاضل البراك

لم يتضمن المقترح تفصيلات لترويج الفكرة الاساسية، وقد يقول البعض إن ذلك لم يكن صائبا من جانبنا والسبب في إننا لم نفعل ذلك هو إننا ما كنا نرسل الى الرئيس دراسات بل خيارات. ويقع عليه ان ينتقي منها ما يراه وهو هذا عين الصواب في عمل أي لجنة استشارية أو مستشار. فالدور ليس مؤسسي بل تكميلي بالنسبة للجنة ليس لها سلطة أو يترتب على ما تقترحه من بدائل مسة في عواقب الخيار المنتقى. إن الانتقاء من سلطة الرئيس، وإذا اوصت بالخيار المنتقى فعندها تكون اللجنة قد أدت دورين متناقضين. تقترح وتوصي بتفضيل معالجة على أخرى. إن الأمر ليس كذلك. لقد وضعنا أمامه إما أو. ويقع عببء الاختيار عليه. حبذ بعضنا المقترح وتحفظ آخرون. لقد كان دكتور فاضل مع تقديمه.
فاضل البراك

.
هذه بضاعتكم ردت إليكم
. مضى اسبوع على حمل المقترح إلى الرئاسة. التقينا في اليوم المعين كما هو الحال كل اسبوع. كان بيد فاضل الملف الوردي اللون الذي طويت فيه ورقة المقترح. جاء وتعابير وجهه تقول واحسرتاه.. أخبر الاستاذ عبد الملك ياسين وارجع إليه مقترحه. وكان يخاطبه في اغلب الاحيان " خالي" بنبرة ريفية خاصة مفعمة بالتقدير والود. وقد جاء الاستاذ عبد الملك ياسين على ما وقع في مذكراته " حتى لا تضيع الحقيقة". لم يشرح لنا لماذا لم يقدم المقترح. وأكتفى بالقول إن الموقف الذي وجده في مكتب الرئيس لا يشجع على تقديمه. أدركنا ما كان يرمي إليه بقوله هذا. ما هو الأمر الذي صده عن تقديمه؟
لقد كنت في كثير من الاحيان انفرد بدكتور فاضل واستوضح منه بعض المواقف عند الحاجة. اقتربت من دكتور فاضل ونحن نَهم بالخروج فسألته لماذا لم يقدم المقترح. قال لي إن الموقف الذي وجد نفسه فيه لم يكن مشجعاً على تقديم ما تضمنه المقترح، فقد كانت أفكار الانسحاب لربما قد أشير إليها من بعيد أو قريب وطَرقت سمعَ الرئيس أو تحسس بأنها تجوب في عقول بعض الذين حوله. وقال إن فكرة الانسحاب عند الرئيس كانت تعبر عن الانهزام، إنها خط أحمر بالقلم العريض، بل إنها الخيانة. وعقابها ليس خفيا على اللبيب، قلت مع نفسي.
فاومأ بيده على عنقه موحيا بما معناه حز الرؤس مخففا عليّ وقع تمثيله لما كان يتوقعه لو كان قد عرض المقترح على الرئيس بتلك الابتسامة التي تكون على وجهه عندما كان يخاطبني.
وكيف علم فاضل بذلك ؟ هل هو من بنات استنتاجاته أم أن عبد حمود، المقرب من الرئيس والذي يقدم له البريد، أطلعه على التوجه عند الرئيس؟ لماذا لم يقدم فاضل المقترح بنفسه للرئيس على انفراد؟ هل فعل ذلك مرة مع ما كنا نرفعه للرئاسة؟ مما لا ريب فيه إن انفراده بالرئيس ليس بالحدث غير المعتاد بالنسبة له، فقد كان رئيسا للجهاز وإن كثيراً من القضايا الجسام لا يمكن ان يتخذ القرار بشأنها بنفسه دون أخذ الموافقة من الرئيس. هل خشي على نفسه من رد فعل الرئيس؟ ألم يعلم أن من مهمات لجنة استشارية أن تقدم ما تنصح فيه، وليس لإرضاء أهواء الرئيس؟ أليس في وسعه الدفاع عن الرأي بنفسه بأن هذا رأي اللجنة وليس رأيه، وإن ليس من الصائب حجبه عنه فهو الذي قام بتشكيل اللجنة بنفسه طالباً النصح منها ففي حجبه خطا جسيم، إذ لا يصح أن يُعرض على الرئيس ما يحلو في عينه وتطمئن إليه نفسه فقط، بل في السياسة إن الخيارات الصعبة هي التي يُمتحن فيها القادة. وإن الذي يستجدي النصح على علم بيقين أنه يواجه مِحَناً ومصائب إن هو لم يتخذ القرار السليم والصحيح. لماذا جاء بنا إذا كان لا يريد ان نُسمعه كلَ شيء حلوه ومره، صوابه وخطله، باطاله وشرعه ،؟ هذا من جهته.
فاضل البراك

وأما من جهتنا لا حق لنا أن نعفي انفسنا من قسط من اللوم والمسؤلية. لا يصح أن نكون لجنة من خبراء مارسوا السياسة والدبلوماسية لعقود وأساتذة لهم باع في ميدان تخصصهم اكاديمياً في السياسة تودي دور المتفرج أو المثني والمادح والمستبشر والمهلل. لقد كان من الواجب أن نفعل أحد الأمرين. إلحل الأول ،أن نطلب إعفائنا جماعة او فرادا. وهذا أمر محال. فلا أحدَ يحسدنا على الحال الذي كنا فيه . فمن يجرأ على أن يقف في وجه سلطة كسلطة الرئيس. فلا أظن إن في تاريخ السياسة العراقية أن التمس وزير أو عضو لجنة ان يُعفى او يقدم استقالة بسبب وغز ضمير أو وجدان يفسده باطل.. فما بالكم بأعضاء لجنة من صنع يده. وإلطريق الثاني، أن نتدبر الأمر في كيف نضع المقترح على طاولته. لم نناقش كيف لنا أن نفعل ذلك. غلب علينا مدرك أن الرفض قد كان امراً مقضياً. وهنا لا مفر من سؤال أليس من مسؤلية الدكتور فاضل أن يَهِب في هذه الحالة ويضغط على عبد حمود ليقدم المقترح. وإذا امتنع عبد حمود ففي وسع دكتور فاضل أن ينوب عنه ويحمله إلى الرئيس بنفسه.
ولا أظن أن دكتور فاضل تتقطع به السبل للوصول إلى الرئيس وجها لوجه. إنه يعتلي منصب مستشاراً سياسياً وهذا يعني أن لديه فرص الوصول إلى الرئيس. إن المستشار لا يبقى ينتظر حتى يستدعيه الرئيس لغرض يريد أن يستانس برأيه، وإنما يطلب المستشار من الرئيس أن يستقبله لقضية عاجلة وخطيرة تستوجب أن يتخذ بشأنها الرئيس القرار. والقول بان الموقف لم يكن ملائما لعرض المقترح ضعيف الحجة. لقد كان في وسع الدكتور فاضل أن يتريث حتى يحين موقف ليقدم فيه المقترح، فليس الأمر على درجة من الخطورة ليقدمه في ذلك الحين. كما إن في وسعه أن يحمله معه الى اللجنة لتعيد النظر فيه من حيث وجوب تقديمه من عدمه. لماذا نكص عن فعل ذلك؟ ربما إنه أصبح منكشفاً امام سبعاوي وكان يدرك بأن تولي سبعاوي جهاز المخابرات سوف يجعله ضعيفا أمام جبهة من الرئيس وأخيه. إن الخوض في جدل ما كان في خلد الدكتور فاضل وهو في مكتب الرئيس وبيده الملف ضرب من التأويل. أعتقد إن الاسباب كثيرة. ولا يساورني الشك قط بأن دكتور فاضل لم يكن مع المقترح. فلماذا حمله إلى الرئيس إذا كانت لديه قناعة أو حدس أو معلومة بأن رفض الانسحاب أمر نهائي ويترتب عليه عواقب وخيمة.
إن هذه هي المشكلة الأم في عملية صنع القرار في أنظمة سلطوية وفردية وتغيب عنها المؤسسات والمراكز. ومن هذا الموقف يتضح إن ما كان يبدو من خطوات في عملية صنع القرار ذات مغزى ومنافع، فإنها في الحقيقة خطوات صورية أو مؤقتة، او لتعالج قضايا ليس بذات أهمية استراتيجية.
ولعمري الحق مع كل من يسأل فلماذا جاء الرئيس بهذه اللجنة الخاصة به والتي حدد نشاطها في السياسة الخارجية.
وفي الجملة، هل كان الرئيس سوف يأخذ بنصيحة الانسحاب؟ الجواب عندي هو كلا يقيناً.
"لو" كان قد أخذ الرئيس بالمقترح لما كان الذي كان
لو كان الرئيس صدام حسين قد أخذ بما كان يريد من اللجنة أن تعينه عليه في تدبير السياسة الخارجية للعراق، لما كان الذي كان. و إن كان التحليل بفن "لو" ضرب من المحال. ومع ذلك، يكتظ تاريخ العلاقات الدولية منذ بداية عصر الدولة القومية في القرن السابع عشر وحتى يومنا بقرارات وافعال لا تختلف عما فعله الرئيس صدام حسين. لقد ضمت الصين التبت. وتراها جزءً من التراب الوطني وتحذر كل طرف لا يرى التبت كذلك ولم تتحرك الهند رغم وقوف امريكا والاتحاد السوفيتي مع الهند ضد الصين في الحرب بينهما، ثم تتصارع الصين على جزر في بحر جنوب الصين واحتلت عددا منها، وتحاجج بانها جزء من التراب القومي الصيني، ومنذ ثورة 1949 والصين تطالب بتايوان. واحتلت اسرائيل الضفة الغربية والقدس ولم يخرجها احد، واحتلت إ يران الجزر العربية طنب الكبىرى وطنب الصغرى وأبو موسى ، وتزعم انها جزء من وحدة ترابها القومي ولم يهب العرب وامريكا والغرب لإستعادتها ،واحتل بوتين ابخاسيا من جورجيا والقرم من اكرانيا ولم ينصر أحد اكرانيا.
فاضل البراك



وفي النهاية:
إن المقترح لم يكن بمبادرة من الدكتور فاضل البراك، بل من الاستاذ عبد الملك ياسين وبخط يده والفضل له.
هل تبنى الدكتور فاضل المقترح؟ نعم. كان يشارك في الجدل فيه وليس مستمعا وكان يدلي برأيه ولم أشعر بانه غير معني بما كنا نتداول فيه.
لقد كان في وسعه أن يشير إلى عدم جدوى تقديمه إلى الرئيس لإنه كان يعرف مسبقا ما هي عواقب تقديمه عليه وعلينا، ولكنه لم يفعل ذلك.
ولقد كان في وسعه أن لا يحمل المقترح إلى الرئاسة بسبب أن بعض الاعضاء كان لديهم تحفظ ، ولكنه آثر أن يرفعه إلى الرئاسة.
لقد كان يدير الجلسات بفن لا يتعذر على أي عضو في اللجنة أن يدرك بأن مثل هذا التوجه في التفكيرغير مقبول عند دكتور فاضل.
إن مقترح الانسحاب لم يُوضع أمام أعين الرئيس صدام حسين.
هل إن الدكتور فاضل أعدل عن ذلك بعدما أدرك أن فرصة قبوله يائسة، وهو رجل سبر بحكم مهنته قراءة المناخ الذي ساد حينها. هذا ما اميل إلى الأخذ به.
هل إن عبد حمود أسدى له نصيحة بأن لا يعرض المقترح. ليس لدينا ما يهدينا إلى الاجابة على هذا السؤال. ولا يصح الافتراض بأن عبد حمود لا يطلع على المذكرة قبل أن يعرض البريد على الرئيس حسب سياقات أي سكرتير. لذلك، اذهب في هذا الاتجاه بأن عبد حمود حذر الدكتور فاضل من مغبة عرض المقترح. إن عبد حمود هو الأقرب إلى الرئيس مِنْ أي شخص آخر حوله ويكون حاضراً في أغلب لقاءات الرئيس مع الضباط وغيرهم. وقد ادرك موقف الرئيس من الانسحاب أو أي تلميح به كخيار. ولا يوجد بين عبد حمود وبين الدكتور فاضل ضغائن وخلافات ليغرر به لتقديم المقترح انتقاماً منه، وبذلك يكون قد أخذ بيد الدكتور فاضل بدون علم منه إلى حتفه. ولا ريب إن عبد حمود كان يدرك إن من بين العسكريين الذين يتحادثون مع الرئيس من الذين يفضحهم لمعان عيونهم و تبدو على وجوههم علامات عدم الرضا وعدم القناعة بما يسمعون من معاندة وكبرياء وغطرسة في قدرة العراق على مواجهة أمريكا والمجتمع الدولي. ولا ريب إن القادة العسكريون كانوا أكثر درية من الرئيس بالحال الذي آلت إليه القوات العسكرية العراقية بعد حين قصير من الحصار. ولا ريب إنهم كانوا يخبئون الحقيقة المرة.
ومثلما نحن أعضاء اللجنة لم نتمسك برأينا ونحث الدكتور فاضل على أن يفعل ما ينبغي عليه أن يفعله كرئيس للجنة أن يعرض القرار على الرئيس، فإن القادة العسكريون تقع عليهم مسؤلية تاريخية أيضا كونهم آثروا الصمت على النطق. فلا أحسب لو كانت هناك حوارات مكشوفة وشفافة في اجواء اعتيادية يأمن المتحدث فيها على نفسه وعلى الذين يشاطرونه الرأي لما تردد نفر من الضباط الكبار بتحذير الرئيس من خطوات خطيرة اتخذها مثل الحرب على الكويت أو جدوى الانسحاب. إن التشاور مع عدد قليل من الذين حوله والاخلاء والمخلصين له مهما فعل والذين لا يمتلكون القدرة على اسداء النصح السديد لا يتعدى كونه اسماعهم بما كان يروم القيام به. وكان يترقب من سامعيه أن يكبروا فيه ويهللوا له على الاقدام على مثل هذا الفعل. ويبقى الافتراض هو لو ضحى قائد عسكري بحياته وحذر الرئيس من القيام بالحرب على الكويت، ثم حذى حذوه آخر، لأعدل الرئيس عن فعلته.
ولنا دالة في حادثة احتلال الراين، التي كانت تحت الوصاية الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى، من قبل القوات الالمانية في 1936 على جرأة ابداء الرأي من قبل العسكريين، فعندما غامر هتلر وأمر باحتلال الراين حذرته القيادة العسكرية العليا بأن لا قدرة للقوات الالمانية على مواجهة بريطنيا وفرنسا. ولحسن حظ هتلر لم تتحرك بريطانيا وفرنسا، ومع ذلك، نهضت القيادة العسكرية بدورها فأبدت برأيها. وليت القيادة العليا العسكرية فعلت ذلك. ولكن مَنْ هي تلك القيادة العسكرية العليا لتفعل ذلك؟ أكانت حقا قيادة عسكرية عليا بما تعنيه؟ كانت تتكون من حسين كامل، الذي لا صلة له بالعلوم عسكرية لا من قرييب ولا من بعيد قط، وعلي حسن المجيد الذي درسته في كلية الدفاع في جامعة البكر وكان أمره كذاك الذي جاءوا به من بعد تحصيله في الابتدائية إلى الدراسات العليا ليسمع في الاستراتيجية والتخطيط والسياسة الخارجية والسياسة الدولية وفن إدارة الدولة، وسبعاوي وقصي وهم الجدار العائلي للرئيس. وجميعهم عسكريون اسماً وفي القيافة ولا يفقهون في الشئؤن العسكرية شيئأ قط، أما الفريق الركن إياد الراوي فليس من طبعه الاعتراض كما أرى. لقد درسته في كلية العلوم السياسية المسائية ولم أر منه إلا الوداعة والعفة والسكينة، حتى إنه لا يثير سؤالاً. والفريق الركن حسين رشيد الذي لا أظنه يجرأ على غير قول نعم سيدي أمام الرئيس.
هل إن محاولة تقديم المقترح من بين اسباب إعدام فاضل البراك؟ لكل امرىء فرصة أن يخلص إلى جواب. والرأي عندي نعم. إنها القشة التي قصمت ظهر الجمل. لو كان دكتور فاضل على علم بأن مصيره هو الهلاك بتهمة لا تجد لها مصداق عند عاقل، لكان من الفضل الكبير له أن ينذر نفسه للعراق بتقديمه المقترح فعسى ان يراجع الرئيس تعنته واصراره على البقاء في الكويت، طالما أن النتيجة كانت واحدة سيان قدم المقترح أم امتنع.
ومرة أخرى اسأل هل كان الرئيس صدام حسين سيأخذ برأي اللجنة بالانسحاب من الكويت لو كان قد عُرض المقترح عليه؟ الجواب عندي كلا يقيناً.
لا علم لي لماذا استُبعد دكتور فاضل من رئاسة اللجنة . تولى سبعاوي، الذي كان مدير جهاز المخابرات، رئاسة اللجنة وكان عددها قد توسع بالتحاق عبدالجبار الهداوي ، سفير سابق، وسمير عزيز النجم، من الاشخاص الذين شاركوا في عملية إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، ودكتور مازن الرمضاني استاذ جامعي. وافتقدت اللجنة بهذا التوسع وأسلوب إدارة سبعاوي كثيرا من قيمتها.
لم يعد للجنة أي دور فعلي في الاتيان بمقترحات بناءة. ولم يعرض عليها قضايا لإعطاء رأي فيها. ولم يبادر سبعاوي في إثارة مسائل بذي نفع.
في 3 تشرين الأول 1990 صدر كتاب من ديوان الرئاسة بإعفاء اللجنة مع تقديم الشكر لأعضائها.
فاضل البراك








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق